فصل: ذكر خلافة المعتصم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف (نسخة منقحة)



.ذكر خلافة المعتصم:

وبويع المعتصم محمد بن هارون الرشيد، ويكنى أبا إسحاق، وأمه أم ولد تسمى رمادة- في الوقت الذي توفي فيه المأمون.
وكان قدومه إلى مدينة السلام، غرة شهر رمضان سنة 218، وبعث بالأفشين، وغيره من الأمراء، وقواد العساكر، لحرب بابك الخرمي بآذربيجان في سنة 220.
وكان الفتح قد أسر بابك في شهر رمضان، وقيل شوال سنة 222، وحمل إلى سر من رأى، فقتل بها في صفر سنة 223.
فكان من أدركه الإحصاء ممن قتله بابك في اثنتين وعشرين سنة، من جيوش المأمون والمعتصم من الأمراء والقواد وغيرهم من سائر طبقات الناس في القول المقلل خمسمائة ألف، وقيل أكثر من ذلك، وأن الإحصاء لا يحيط به كثرة.
وكان خروجه في سنة 200 في خلافة المأمون، وقيل سنة 201 بجبل البذّين من بلاد آذربيجان في الجاوذانية أصحاب جاوذان بن شهرك الخرمي صاحب بابك وغيرهم.
قال المسعودي: وقد ذكرنا في كتابنا في المقالات في أصول الديانات وفي كتاب سر الحياة مذاهب الخرمية الكوذكية منهم والكوذشاهية وغيرهم ومن منهم بنواحي أصبهان والبرج وكرج أبي دلف والزّزّين ززّ معقل وززّ أبي دلف ورستاق الورسنجان وقسم وكوذشت من أعمال الصيمرة من مهرجان قذق وبلاد السيروان وأربوجان من بلاد ماسبذان وهمذان وماه الكوفة وماه البصرة وآذربيجان وأرمينية وقم وقاشان والري وخراسان وسائر أرض الأعاجم وغيرها وما بينهم من التنازع، وما بين الفريقين وبين المحمرة والمزدقية والماهانية وغيرهم من الخلاف، وما جرى لنا من المناظرات مع من شاهدنا منهم في هذه المواطن وما ينتظره الجميع في المستقبل من الزمان الآتي من عود الملك فيهم، ومن خلع في الإسلام منهم وظهر منهم في عهد الهرمزان الذي قتله عبيد الله بن عمر بن الخطاب عند وفاة أبيه عمر إلى وقتنا هذا وغير ذلك، واستقصينا الكلام على هؤلاء وغيرهم من أصحاب الاثنين وجميع من قال بالقدم على تباينهم وسائر من خالف التوحيد وباين ملة الإسلام في كتاب الإبانة في أصول الديانة وكتابنا هذا كتاب خبر، لا كتاب بحث ونظر وخرج المعتصم إلى أرض الروم غازياً فافتتح أنقرة ومدينة عمورية في شهر رمضان سنة 223، وكان سخطه على الأفشين خيذر بن كاوس الأشروسني سنة 225 وتوفي المعتصم بسر من رأى الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة 227 وله ست وأربعون سنة وعشرة اشهر وكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر ويومين، وكان أصهب أبيض حسن الجسم جميل الوجه مربوعاً، مشرباً حمرة عريض الصدر، شديد البدن، طويل اللحية لم يشب، وكان الرجل الذي لا يقاس به الرجال قوة بدن، وشدة بأس، وشجاعة قلب، وكرم أخلاق، آثر من استحدث من غلمانه الأتراك على المتقدمين من أوليائه ونصحاء آبائه وكان يسمى الخليفة المثمن، لأنه الثامن من خلفاء بني العباس، وكان مولده سنة 178 وولي الخلافة سنة 218 وملك ثماني سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام، وفي قول بعضهم أنه مات عن ثمانية بنين، وثماني بنات وخلف في بيت المال ثمانية آلاف ألف دينار، وثمانية آلاف ألف درهم وكانت له ثمانية فتوح عظام منها أسر بابك والمازيار بن قارن صاحب جبال طبرستان، وقهره المحمرة من الخرمية، وكانوا مائتي ألف قد غلبوا على بلاد الماهات والجبال، وعظمت شوكتهم، واشتد أمرهم، وأسره البوارج، وهي مراكب الهند.
وكان فيها منهم عسكر عظيم، قد غلبوا على ساحل فارس وعمان وناحية البصرة، ثم إخلاؤه الزط عن البطائح، وما كانوا غلبوا عليه مما دون البصرة ومما بين البصرة وواسط، وقطعهم السبيل، وسفكهم الدماء.
وكانوا خلقاً عظيماً كثيراً ناقلة عن ناحية الهند لغلاء وقع هناك، فتنقلوا في بلاد كرمان وفارس وكور الأهواز إلى أن صاروا إلى هذه المواضع، فسكنوها، وغلبوا عليها، وعظم أمرهم، واشتد بأسهم، فأنزلهم بلاد خانقين وجلولاء من طريق خراسان وبلاد عين زربة من الثغر الشأمي، ومذ يومئذ صارت الجواميس بالشأم ولم تكن تعرف هنالك.
وقيل إن الجواميس بالثغر الشأمي وسواحل الشأم من جواميس كانت لآل المهلب ببلاد البصرة والبطائح والطفوف، فلما قتل يزيد بن المهلب نقل يزيد بن عبد الملك بن مروان كثيراً منها إلى هذه النواحي، ثم قتله جعفر بن مهرجيش الكردي.
وكان ذا عدة عظيمة بين الموصل وآذربيجان وأرمينية، قد تغلب على البلاد وأخاف السبيل، وبسط يده في القتل. ثم هزيمة الأفشين لتوفيل ملك الروم، ثم فتحه عمورية، وأسره ياطس بطريقها وهي أعظم مدنهم بعد القسطنطينية، وقد أتينا على شرح هذه الحروب والوقائع في كتابنا في أخبار الزمان ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية والأجيال الخالية والممالك الدائرة واستوزر الفضل بن مروان، وكان كاتبه قبل الخلافة، ثم أحمد بن عمار ابن شاذي الصري، وقيل بل كان خاصاً به يتولى عرض الكتب عليه، ولم يكن وزيراً، واستوزر محمد بن عبد الملك الزيات.
وكان نقش خاتمه الحمد لله الذي ليس كمثله شيء، وهو خالق كل شيء وقضاته جعفر بن عيسى الحسني من ولد الحسن بن أبي الحسن البصري، وشعيب ابن سهل، ومحمد بن سماعة، وقاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد الأيادي.
وكان يذهب في الفقه مذاهب البصريين، وهي طريقة الحسن البصري وعبيد الله بن الحسن العنبري، وعثمان البتي والأصم وغيرهم، وتخلفه أبو الوليد إبنه وحاجباه محمد بن حماد بن دنقش، وبغا الكبير.
وهو أول خليفة من خلفاء بني العباس انتقل عن مدينة السلام منذ بناها المنصور.
وكان السبب في ذلك، أن أهلها كرهوه وتأذوا بجواره حين كثر عبيده الأتراك، وغيرهم من الأعاجم، لما كانوا يلقون منهم ومن غلظتهم، وربما وثبت العامة على بعضهم، فقتلوه لصدمهم إياهم في حال ركضهم، فأحب التنحي بهم، والانفراد عن مدينة السلام، فخرج في آخر سنة 220 إلى ناحية القاطول، فنزل قصراً كان للرشيد هناك، وهمّ أن يبني في ذلك الموضع مدينة، ثم بدا له ولم يزل ينتقل في تلك النواحي حتى وقع اختياره على موضع سامرا، وهو في بلاد كورة الطيرهان، فابتدأ ببنائها في سنة 221، وسماها سر من رأى، وكملت في أسرع مدة وعظمت عمائرها، واتصلت أسواقها وقصورها، ونقلت إليها الدواوين والعمال وبيوت الأموال، وقصدها الناس لنزول الخليفة بها وطيبها وحسن موقعها وعمارتها وصنوف مكاسبهم.
وقد ذكر أنها قديمة مسماة بهذا الاسم، سميت بسام بن نوح، وأنها كانت آهلة عظيمة عامرة، فلم تزل تتناقص على مر الزمان وكان آخر خرابها في أيام فتنة الأمين والمأمون، وأن موضع قصر المعتصم، كان ديراً للنصارى وأراضي، فابتاعها منهم، وسر من رأى آخر المدن العظيمة، التي أحدثت في الإسلام، وهي سبع ونحن ذاكروها في هذا الموضع لما تقتضيه الحال من ذكرها وحسن موقعها عند جمعها واتصال نظمها.
فالأولى منها البصرة، وكان تمصير عتبة بن غزوان أحد بني مازن بن منصور إخوة سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر البصرة في المحرم ستة 17 للهجرة، وبنى مسجدها.
ومن الناس من يرى أنها مصرت في أحد شهري ربيع سنة 16، وأن عتبة ابن غزوان، إنما خرج إليها من المدائن بعد فراغ سعد بن أبي وقاص من حرب الفرس بجلولاء الوقيعة، وأن عتبة قدم البصرة وهي يومئذ تدعى أرض الهند فيها أحجار بيض فنزل موضع الخريبة.
وذهب أبو مخنف لوط بن يحيى الغامدي، وأبو الحسن علي بن محمد المدائني والهيثم بن عدي وغيرهم، إلى أن نزل عتبة بن غزوان موضع البصرة كان في سنة 14. وأن عمر كان أنفذ عتبة إلى ما هنالك، لقطع مواد الفرس عن المدائن وما حولها.
قال المسعودي: ومن ههنا أغفل من ذهب إلى أن البصرة مصرت في هذه السنة.
والثانية الكوفة، تنوزع في تمصير سعد بن أبي وقاص الكوفة، فمنهم من قال كان ذلك في سنة 17 أيضاً، وإلى هذا ذهب الواقدي في آخرين، وذهب آخرون إلى أنها مصرت سنة 15.
وأن عبد المسيح بن بقيلة الغساني دل سعداً على موضعها، وقال أدلك على أرض ارتفعت عن البق وانحدرت عن الفلاة.
ولا خلاف بينهم جميعاً أن البصرة والكوفة بنيتا بعد فتح المدائن، دار مملكة فارس، وخروج الملك يزدرجرد بن شهريار بن كسرى ابرويز عنها إلى حلوان ووقعة جلولاء الوقيعة.
والثالثة فسطاط مصر، كان تمصير عمرو بن العاص فسطاط مصر سنة 20 وكان مسيره إليه وحروبه مع أهلها سنة 19 على ما في ذلك من التنازع.
كذلك ذكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في كتابه في فتوح البلدان، وأن اسم الحصن الذي كان قتالهم عليه وهو وسط مدينة الفسطاط، واليوم يعرف بقصر الشمع بابليون وقيل أليونة، فسماها المسلمون فسطاطاً لأنهم قالوا هذا فسطاط القوم ومجمعهم وذكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم المصري في كتابه في فتوح مصر والإسكندرية والمغرب والأندلس وأخبارها، أن عمراً أقام محاصراً لهم لسبعة أشهر إلى أن افتتحها، وسار إلى الإسكندرية، فلما فرغ من فتحها، ورأى منازلها وأبنيتها مفروغاً منها همّ أن يسكنها، وقال مساكن قد كفيناها فكتب إلى عمر يستأذنه في ذلك، فسأل عمر الرسول هل يحول بيني وبين المسلمين ماء؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين النيل، فكتب عمر إلى عمرو إني لا أحب أن ينزل المسلمون منزلاً يحول الماء بيني وبينهم في شتاء ولا صيف فتحول عمرو من الإسكندرية إلى الفسطاط.
قال عبد الرحمن وغيره، وإنما سميت الفسطاط لأن عمرو بن العاص لما أراد التوجه إلى الإسكندرية لقتال من بها من الروم أمر بنزع فسطاط، فإذا فيه يمام قد فرخ فقال عمرو لقد تحرم بمتحرم، فأمر به فأقر كما هو، وأوصى به صاحب قصر الشمع فلما قفل المسلمون من الإسكندرية قالوا أين ننزل، فقال بعضهم الفسطاط لفسطاط عمرو الذي كان خلفه، فنزلوا ووضعوا أيديهم في البناء، ولم يزل عمرو قائماً حتى وضعوا قبلة المسجد والرابعة الرملة لما ولي الوليد بن عبد الملك أخاه سليمان جند فلسطين نزل لدّ، ثم أحدث مدينة الرملة ومصرها.
وكان أول ما بنى قصره والدار التي تعرف بدار الصباغين إلى هذا الوقت وأذن للناس فبنوا واحتفر لهم القناة التي تدعى بردة، وآباراً كثيرة، واختط للمسجد خطة وبناه، فولى الأمر قبل استتمامه، وبنى قبة في أيامه وأتمه عمر ابن عبد العزيز بعده غير أنه نقص من الخطة، وقال أهل الرملة يكتفون بهذا المقدار الذي اقتصرت عليه كذلك ذكر أحمد بن يحيى البلاذري.
والخامسة واسط العراق، كان بناء الحجاج مدينة واسط العراق سنة 83 أو 84 فيما ذكر أحمد بن يحيى وبنى مسجدها وقصرها والقبة الخضراء بها وكانت أرض قصب، وبينها وبين البصرة والكوفة والأهواز وبغداد مقدار واحد، وهو خمسون فرسخاً.

.ذكر خلافة الواثق:

وبويع الواثق هارون بن محمد المعتصم ويكنى أبا جعفر، وأمه أم ولد تسمى قراطيس- في الوقت الذي توفي فيه المعتصم، وهو يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الول سنة 227 وتوفي بسر من رأى يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة 232 وهو ابن اثنتين وأربعين سنة، وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وستة أيام وكان أبيض مشرباً حمرة، حسن الجسم، عريض الصدر، كث اللحية في عينيه نكتة بياض، يذهب في كثير من أموره مذاهب المأمون، شغل نفسه بمحنة الناس في الدين فأفسد قلوبهم، وأوجدهم السبيل إلى الطعن عليه وكان وزيره محمد بن عبد الملك الزيات على ما كان عليه في أيام المعتصم ونقش خاتمه الله ثقة الواثق وقاضيه أحمد بان دؤاد، وحاجبه حماد بن دنقش، وإيتاخ، ووصيف.

.ذكر خلافة المتوكل:

وبويع المتوكل جعفر بن محمد المعتصم، ويكنى أبا الفضل، وأمه أم ولد طخارستانية تسمى شجاع- في اليوم الذي توفي فيه الواثق وبايع لبنيه الثلاثة بولاية العهد بعده: المنتصر، وأبي عبد الله المعتز، وإبراهيم المؤيد. وجفا الموالي من الأتراك وأطرحهم، وحط مراتبهم، وعمل على الاستبداد بهم والاستظهار عليهم.
وضم إلى وزيره عبيد الله بن يحيى بن خاقان نحواً من اثني عشر ألفاً من العرب والصعاليك وغيرهم برسم المعتز، وكان في حجره وضاق عليهم المال بشركة هؤلاء معهم فيه، وجعل يجيل الآراء في استئصالهم، ونال ابنه محمداً بأنواع الذلة والهوان، فأجمع على قتله، فواطأ وصيفاً وبغا وغيرهم من الموالي على الفتك به، فأعدوا لذلك عدة من أصاغر الموالي منهم باغر وغيره فقتلوه بمدينته المسماة الجعفرية من سر من رأى ليلة الأربعاء لثلاث ليال خلون من شوال سنة 247، وله إحدى وأربعون سنة، وكانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر، وتسعة أيام وكان أسمر رقيق البشرة، يضرب لونه إلى الصفرة حسن الوجه، خفيف العارضين، كبير العينين، وكان وسيماً مهيباً إلى الغاية، رفع المحنة، ومنع الجدل في الدين، وصفت له الدنيا فنال منها أعظم الحظ على إيثاره الهزل والمضاحك والأمور التي تشين الملوك واستوزر محمد بن عبد الملك الزيات نحواً من أربعين يوماً من خلافته، ثم قتله استوزر محمد بن الفضل الجرجرائي، ثم استوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان المروزي، ووزر أبوه يحيى بن خاقان حي وكان نقش خاتمه جعفر على الله يتوكل وعلى قضائه يحيى بن أكثم، وجعفر بن محمد البرجمي، وعلى حجابته وصيف، وبغا، وزرافة.

.ذكر خلافة المنتصر محمد:

وبويع المنتصر محمد بن جعفر المتوكل، ويكنى أبا جعفر، وأمه أم ولد رومية تسمى حبشية- صبيحة الليلة التي قتل فيها المتوكل وتوفي بسر من رأى، لأربع خلون من شهر ربيع الآخر سنة 248 وله ثمان وعشرون سنة مسموماً فيما قيل، وأن الموالي لما علموا سوء نيته فيهم، وأنه على التدبير عليهم بادروه بذلك، فكانت خلافته ستة أشهر ويوماً وكان مربوعاً، حسن الوجه، أسمر مسمناً، ذا شهامة ومعرفة وإمساك للمال، وحفظ له حتى أنكر الناس عليه البخل، وشدة المنع واستوزر أحمد بن الخصيب إلى أن مات، وكان نقش خاتمه محمد بالله ينتصر وقاضيه جعفر بن محمد، وقيل جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وحاجباه وصيف، وبغا.

.ذكر خلافة المستعين:

وبويع المستعين أحمد بن محمد بن محمد المعتصم، ويكنى أبا عبد الله، وأمه أم ولد يقال لها مخارق- في اليوم الذي توفي فيه المنتصر، وغلب على التدبير والأمر والنهي، أوتامش ابن أخت بغا الكبير، وكاتبه شجاع بن القاسم إلى أن شغب الموالي فقتلوه، وكاتبه للنصف من شهر ربيع الأول سنة 249 ولم يزل مقيماً بسر من رأى إلى أن قتل وصيف وبغا باغر التركي أحد المتقدمين في قتل المتوكل، فشغب الموالي وتحزبوا، فانحدر ومعه وصيف وبغا إلى مدينة السلام لثلاث خلون من المحرم سنة 251 وبايع الأتراك بسر من رأى أبا عبد الله المعتز لحرب من بمدينة السلام، فكانت الحروب بينهم سنة إلا أياماً يسيرة والقيم بأمر المستعين محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أن خلع المستعين نفسه، وسلم الخلافة إلى المعتز لليلتين خلتا من المحرم سنة 252، وقتل بقادسية سر من رأى يوم الأربعاء لثلاث ليال خلون من شوال في هذه السنة، وهو ابن خمس وثلاثين سنة فكانت خلافته منذ بويع إلى أن خلع ثلاث سنين وثمانية أشهر وثمانية وعشرين ويوماً، ومنذ خلع إلى أن قتل تسعة أشهر.
وكان مسمناً، حسن الوجه، أسود اللحية، لين الجانب منقاداً لاتباع مهملات الأمور، شديد الخوف على نفسه، فأداء خوفه، وقلة أمنه إلى الهرب عن دار ملكه، وقرار عزه، وأدبرت الأمور عنه.
واستوزر أحمد بن الخصيب ثم سخط عليه فكانت الوزارة مرسومة بأوتامش التركي، وكاتبه شجاع بن القاسم يدبر الأمور، ثم استوزر بعد قتل أوتامش وشجاع؛ أحمد بن صالح بن شيرزاد وكان نقش خاتمه في الفص المعروف بالجبل أحمد بن محمد وقاضيه الحسن بن أبي الشوارب الأموي، وحاجباه وصيف وبغا.